لا يجادل أحد في القدرات الهائلة والمكينة التي تتمتع بها المؤسسات الأمنية في بلادنا، حتى بسط الله تعالى بها الاستقرار الذي يعدُّ أهم عنصر من عناصر التقدم الإنساني على الإطلاق.
ويبقى مع ضرورة الأمان السياسي ضرورة الأمن الغذائي، الذي يتحقق - كما تذكر بعض الموسوعات العالمية - "بأن تنتج البلد كل احتياجاتها من الغذاء الأساس، أو تكون في استطاعتها شراؤه من الخارج تحت أي من ظروف ارتفاع أسعار الغذاء العالمية".
وإذا كان في مقدورنا المادي توفير الأمن الغذائي لبلادنا بالطريقة الثانية (الشراء من الخارج)، فإن القوة الحقيقية في الاستغناء عن الدول الأخرى في احتياجاتنا الحياتية التي لا غنى للإنسان عنها، حتى لا نكون محل ضغط أو مساومات دولية في يوم من الأيام، وفي أي ظرف من الظروف.
ولكون التنمية ليست مسؤولية الدولة فقط، بل هي شراكة بين القطاعات الحكومية والأهلية والخيرية، فإن (أزمة الدجاج) التي دقت ناقوس الخطر في منتج أقرب ما يكون إلى (الخبز)، بل ربما يكون في الدرجة الثالثة بعد (الرز) في مجتمع مثل مجتمعنا، يتغدى به، ويتعشى، وربما ـ بعد انتشار الوجبات السريعة ـ يفطر به.
وإذا كان الارتفاع العالمي في غذاء الدجاج، أثر في ارتفاع سعره؛ لكونه يمثل سبعين في المئة من تكلفته، فإن الخطط التي ينبغي أن توضع للسنوات العشر القادمة، هي كيف يمكن للمجتمع السعودي أن يكتفي من مكونات وجباته المتفق عليها بين جميع المناطق، من الدواجن والمواشي والخضروات والرز والبر، بمشروعات وطنية عملاقة؟
ولا أدري ما المانع من أن تكون الحكومة شريكا في مثل هذه المشروعات إذا تخوف التجار في المغامرة فيها، وإذا كنا نفتقد بعض مكونات النجاح بسبب الجو أو توفر الماء أو المساحات الصالحة للزراعة.
فلماذا لا يكون لنا مشروعات في الدول التي منَّ الله عليها بالماء والأراضي الزراعية الشاسعة والأجواء المناسبة؛ كدول النيل؛ مصر والسودان، وبخاصة أن العمالة فيها وافرة ورخيصة قياسا للعمالة في بلادنا، حتى ولو استضفناها منها؟!
تلك دول شقيقة وقريبة، وعلاقاتنا بها مستقرة عبر عقود، سوف تستفيد من مشروعاتنا؛ لإنعاش اقتصادها، وتوفير مزيد من فرص العمل لشبابها، ونستفيد نحن منها لتأمين أمننا الغذائي في الحاضر والمستقبل بإذن الله تعالى.
علينا أن نبادر لرسم إستراتيجيات المستقبل أكثر من الانغماس في حل مشكلة الحاضر، مقدرين لوزارة التجارة هذا العمل الدائب في مراقبة السوق المحلية لتحقيق الاستقرار في الأسعار بقدر المستطاع.
ولا نزال ننتظر من وزارة الزراعة حل مشكلة توفير مشروعات الدواجن والمواشي التي يبالغ في أسعارها الآن؛ حتى أصبح اللحم عند كثير من الفئات المنخفضة الدخول حلما من الأحلام، بعد أن زاد سعر الواحدة عن ألف ريال إلى ألف وخمسمئة ريال.. أي ما كان يدفع قبل فترة ليست طويلة في اثنتين أو ثلاث!!
واعتذارات الوزارات لا تكفي لحل المشكلات، إذا لم تضع أمامها خططا تتخطى (العادية) إلى (الإبداع) والبحث عن حلول خارج الصندوق كما يقال.
ولدينا محاولات قديمة وحديثة لتغطية احتياجاتنا من الغذاء الذي يمثل غالب قوت البلد كما في التعبير الشرعي، ولكنها حتى الآن لا تكفي لصناعة أمن غذائي دائم، وليست مطمئنة، ولكنها مقدرة؛ لتكون انطلاقة نحو التكامل الذي تستطيعه بلادنا ـ بإذن الله تعالى ـ بما منحها الله ـ عز وجل ـ من مال وافر، وقيادة حريصة على تحقيق النمو والتقدم والاستقرار المتكامل.
الكاتب: د . خالد بن سعود الحليبي
المصدر: موقع المستشار